فصل: تفسير الآية رقم (11):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (11):

{يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11)}
{يغشى الناس} أي يحيط بهم، والمراد بهم كفار قريش، ومن جعل الدخان ما هو من أشراط الساعة حمل {الناس} على من أدركه ذلك الوقت، ومن جعل ذلك يوم القيامة حمل {الناس} على العموم. والجملة صفة أخرى للدخان. وقوله تعالى: {هذا عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

.تفسير الآية رقم (12):

{رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12)}
{رَّبَّنَا اكشف عَنَّا العذاب إِنَّا مْؤْمِنُونَ} في موضع نصب بقول مقدر وقع حالًا أي قائلين أو يقولون هذا إلخ. والإشارة للتفخيم، وقيل: يجوز أن يكون هذا عذاب أليم إخبارًا منه عز وجل تهويلًا للأمر كما قال سبحانه وتعالى في قصة الذبيح {إِنَّ هذا لَهُوَ البلاء المبين} [الصافات: 106] فهو استئناف أو اعتراض والإشارة بهذا للدلالة على قرب وقوعه وتحققه، وما تقدم أولى، وقوله سبحانه: {رَبَّنَا} إلى آخره كما صرح به غير واحد من المفسرين وعد منهم بالإيمان إن كشف جل وعلا عنهم العذاب، فكأنهم قالوا: ربنا إن كشفت عنا العذاب آمنا لكن عدلوا عنه إلى ما في المنزل إظهارًا لمزيد الرغبة وحملوه على ذلك لما في بعض الروايات أنه لما اشتد القحط بقريش مشى أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وناشده الرحم وواعده أن دعا لهم وزال ما بهم آمنوا والمراد بقوله سبحانه وتعالى.

.تفسير الآية رقم (13):

{أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13)}
{أنى لَهُمُ الذكرى} نفي صدقهم في الوعد وأن غرضهم إنما هو كشف العذاب والخلاص أي كيف يتذكرون أو من أين يتذكرون بذلك ويفون بما وعدوه من الإيمان عند كشف العذاب عنهم.
{وَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ} أي والحال أنهم شاهدوا من دواعي التذكر وموجبات الاتعاظ ما هو أعظم من ذلك في إيجابهما حيث جاءهم رسول عظيم الشأن ظاهر أمر رسالته بالآيات والمعجزات التي تخر لها صم الجبال أو مظهر لهم مناهج الحق بذلك.

.تفسير الآية رقم (14):

{ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14)}
{ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ} أي عن ذلك الرسول عليه الصلاة والسلام وهو هو والجملة عطف على قوله تعالى: و{قَدْ جَاءهُمُ} [الدخان: 13] إلى آخره، وعطفها على قوله سبحانه: {رَبَّنَا} [الدخان: 12] إلخ لأنه على معنى قالوا: ربنا إلخ ليس بذاك، وثم للاستبعاد والتراخي الرتبي وإلا فهم قد تولوا ريثما جاءهم وشاهدوا منه ما شاهدوا مما يوجب الإقبال إليه صلى الله عليه وسلم {وَقَالُواْ} مع ذلك في حقه عليه الصلاة والسلام.
{مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ} أي قالوا تارة: يعلمه عداس غلام رومي لبعض ثقيف وأخرى مجنون أو يقول بعضهم كذا وآخرون كذا ولم يقل ومجنون بالعطف لأن المقصود تعديد فبائحهم وقرأ زر بن حبيش معلم بكسر اللام فمجنون صفة له وكأنهم أرادوا رسول مجنون وحاشاه ثم حاشاه صلى الله عليه وسلم.

.تفسير الآية رقم (15):

{إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15)}
{إِنَّا كَاشِفُواْ العذاب قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} جواب من جهته تعالى عن قولهم وأخبار بالعود على تقدير الكشف أي إن كشفنا عنكم العذاب كشفًا قليلًا أو زمانًا قليلًا عدتم والمراد على ما قيل عائدون إلى الكفر؛ وأنت تعلم أن عودهم إليه يقتضي إيمانهم وقد مر أنهم لم يؤمنوا وإنما وعدوا الإيمان فإما أن يكون وعدهم منزلًا منزلة إيمانهم أو المراد عائدون إلى الثبات على الكفر أو على الإقرار والتصريح به وقال قتادة: هذا توعد عاد الآخرة وهو خلاف الظاهر جدًا ومن قال: إن الدخان يوم القيامة قال إن قوله سبحانه: {إِنَّا كَاشِفُواْ} إلى آخره وعد بالكشف على نحو قوله عز وجل: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه} [الأنعام: 28] ومن قال المراد به ما هو من أشراط الساعة قال بإمكان الكشف وعدم انقطاع التكليف عند ظهوره وإن كان من الأشراط بل جاء في بعض الآثار أنه يمكث أربعين يومًا وليلة فيكشف عنهم فيعودون إلى ما كانوا عليه من الضلال، وحمله على ما روي عن ابن مسعود ظاهر الاستقامة لا قيل فيه ولا قال، وقوله سبحانه: {وَقَدْ جَاءهُمْ} [الدخان: 13] إلخ قوي الملاءمة له وهو بعيد الملاءمة للقول المروى عن الأمير كرم الله تعالى وجهه ومن معه فقد احتيج في تحصيلها إلى جعل الإسناد من باب إسناد حال البعض إلى الكل أو حمل الناس على الكفار الموجودين في ذلك الوقت والأمر على القول بأنه ما كان في فتح مكة أهون إلا أنه مع ذلك ليس كقول ابن مسعود فتأمل.

.تفسير الآية رقم (16):

{يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16)}
{يَوْمَ نَبْطِشُ البطشة الكبرى} هو يوم بدر عند ابن مسعود وأخرجه عبد بن حميد. وابن جرير عن أبي بن كعب. ومجاهد. والحسن. وأبي العالية. وسعيد بن جبير. ومحمد بن سيرين. وقتادة. وعطية، وأخرجه ابن مردويه عن ابن عباس.
وأخرج ابن جرير. وعبد بن حميد بسند صحيح عن عكرمة. قال: قال ابن عباس قال ابن مسعود البطشة الكبرى يوم بدر، وأنا أقول: هي يوم القيامة ونقل في البحر حكاية أنه يوم القيامة عن الحسن. وقتادة أيضًا.
والظرف معمول لما دل عليه قوله تعالى: {إِنَّا مُنتَقِمُونَ} أي إنا ننتقم يوم إذ انا منتقمون، وقيل لمنتقمون ورده الزجاج وغيره بأن ما بعد إن لا يجوز أن يعمل فيما قبلها، وقيل لعائدون على معنى إنكم لعائدون إلى العذاب يوم نبطش.
وقيل بكاشفوا العذاب وليس بشيء وقيل لذكرهم أو اذكر مقدرًا، وقيل هو بدل من {يَوْمَ تَأْتِى} [الدخان: 10] إلخ.
وقرئ {نَبْطِشُ} بضم الطاء وقرأ الحسن. وأبو رجاء. وطلحة بخلاف عنه {نَبْطِشُ} بضم النون من باب الأفعال على معنى نحمل الملائكة عليهم السلام على أن يبطشوا بهم أو نمكنهم من ذلك فالمفعول به محذوف للعلم وزيادة التهويل، وجعل البطشة على هذا مفعولًا مطلقًا على طريقة {أنبتكم... نباتًا} [نوح: 17]، وقال ابن جني، وأبو حيان: هي منصوبة بفعل مضمر يدل عليه الظاهر أي يوم نبطش من نبطشه فيبطش البطشة الكبرى، وقال ابن جني: ولك أن تنصبها على أنها مفعول كأنه به قيل: يوم نقوي البطشة الكبرى عليهم ونمكنها منهك كقولك: يوم نسلط القتل عليهم ونوسع الأخذ منهم، وفي القاموس بطش به يبطش ويبطش أخذه بالعنف والسطوة كابطشة والبطش الأخذ الشديد في كل شيء والبأس اه فلا تغفل.

.تفسير الآية رقم (17):

{وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17)}
{وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ} أي امتحناهم بإرسال موسى عليه السلام إليهم على أنه من فتن الفضة عرضها على النار فيكون عنى الامتحان وهو استعارة والمراد عاملناهم معاملة الممتحن ليظهر حالهم لغيرهم أو أوقعناهم في الفتنة على أنه عناه المعروف والمراد بالفتنة حينئذٍ ما يفتن به الشخص أي يغتر ويغفل عما فيه صلاحه كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا أموالكم وأولادكم فِتْنَةٌ} [التغابن: 15] وفسرت هنا بالإمهال وتوسيع الرزق.
وفسر بعضهم الفتنة بالعذاب ثم تجوز به عن المعاصي التي هي سبب وهو تكلف ما لا داعي له.
وقرئ {فَتَنَّا} بتشديد التاء إما لتأكيد معناه المصدري أو لتكثير المفعول أو الفعل.
{وَجَاءهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ} أي مكرم معظم عند الله عز وجل أو عند المؤمنين أو عنده تعالى وعندهم أو كريم في نفسه متصف بالخصال الحميدة والصفات الجليلة حسبًا ونسبًا، وقال الراغب: الكرم إذا وصف به الإنسان فهو اسم للأخلاق والأفعال المحمودة التي تظهر منه ولا يقال هو كريم حتى يظهر ذلك منه، ونقل عن بعض العلماء أن الكرم كالحرية إلا أن الحرية قد تقال في المحاسن الصغيرة والكبيرة والكرم لا يقال إلا في المحاسن الكبيرة.
وقال الخفاجي أصل معنى الكريم جامع المحامد والمنافع وادعى لذلك أن تفسيره به أحسن من تفسيره بالتفسيرين السابقين.

.تفسير الآية رقم (18):

{أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18)}
{أَنْ أَدُّواْ إِلَىَّ عِبَادَ الله} اطلقوهم وسلموهم إلى، والمراد بهم بنو إسرائيل الذين كان فرعون مستعبدهم، والتعبير عنهم بعباد الله تعالى للإشارة إلى أن استعباده إياهم ظلم منه، والأداء مجاز عما ذكر، وهذا كقوله عليه السلام {فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم} [طه: 47] وروى ذلك عن ابن زيد ومجاهد. وقتادة أو أدوا إلى حق الله تعالى من الايمان وقبول الدعوة يا عباد الله على أن مفعول {أَدُّواْ} محذوف وعباد منادى وهو عام لبني إسرائيل والقبط، والأداء عنى الفعل للطاعة وقبول الدعوة وروى هذا عن ابن عباس، وأن عليهما قيل مصدرية قبلها حرف جر مقدر متعلق بجاءهم أي بأن أدوا، وتعقب بأنه لا معنى لقولك: جاءهم بالتأدية إلى، وحمله على طلب التأدية إلى لا يخلو عن تعسف ورد بأنه بتقدير القول وهو شائع مطرد فتقديره بأن قال أدوا إلى ولا يخلو عن تكلف ما ومع هذا الأمر مبني على جواز وصل المصدرية بالأمر والنهي وهو غير متفق عليه، نعم إلا صح الجواز.
وقيل: هي مخففة من الثقيلة، وتعقب بأنها حينئذ يقدر معها ضمير الشأن ومفسره لا يكون إلا جملة خبرية وأيضًا لابد أن يقع بعدها النفي أوقد أو السين أو سوف أو لو وأن يتقدمها فعل قلبي ونحوه وأجيب بأن مجيء الرسول يتضمن معنى فعل التحقيق كالأعلام والفصل المذكور غير متفق عليه، فقد ذهب المبرد تبعًا للبغاددة إلى عدم اشتراطه، والقول بأنه شاذ يصان الررن عن مثله غير مسلم واشتراط كون مفسر ضمير الشأن جملة خبرية فيه خلاف على ما يفهم من كلام بعضهم، ولم يذكر في المغنى في الباب الرابع في الكلام على ضمير الشأن. إلا اشتراط كون مفسره جملة ولم يشترط فيها الخبرية ولم يتعرض لخلاف، نعم قال في الباب الخامس: النوع الثامن اشتراطهم في بعض الجملة الخبرية وفي بعضها الإنشائية وعد من الأول خبر إن وضمير الشأن لكنه قال بعد: وينبغي أن يستثني من ذلل في خبري أن وضمير الشأن خبر أن المفتوحة إذا خففت فإنه يجوز أن يكون جملة دعائية كقوله تعالى: {والخامسة أَنَّ غَضَبَ الله عَلَيْهَا} [النور: 9] في قراءة من قرأ أن وغضب بالفعل والاسم الجليل فاعل.
وحقق بعض الأجلة أن الاخبار عن ضمير الشأن بجملة إنشائية جائز عند الزمخشري أو هي مفسرة وقد تقدم ما يدل على القول دون حروفه لأن مجيء الرسول يكون برسالة ودعوة وكأن التفسير لمتعلقه المقدر أي جاءهم بالدعوة وهي أن ادوا إلى عبار الله {وَإِنّى لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ}.

.تفسير الآية رقم (19):

{وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آَتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (19)}
{وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى الله} ولا تستكبروا عليه سبحانه بالاستهانة بوحيه جل شأنه ورسوله عليه السلام {وَأَنْ} كالتي قبلها، والمعنى على المصدرية بكفكم عن العلو على الله تعالى: {إِنّى ءاتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} تعليل للنهي أي آتيكم بحجة واضحة لا سبيل إلى إنكارها أو موضحة صدق دعواي {وآتيكم} على صيغة الفاعل أو المضارع، ولا يخفى حسن ذكر الأمين مع الأداء والسلطان مع العلاء، وذكر أن في الأول ترشيحًا للاستعارة المصرحة أو المكنية بجعلهم كأنهم مال للغير في يده أمره بدفعه لمن يؤتمن عليه وفي الثاني تورية عن معنى الملك مرشحة بقوله: {وَأَن لاَّ تَعْلُواْ} وقرأت فرقة {إِنّى} بفتح الهمزة فقيل هو أيضًا على تعليل النهي بتقدير اللام، وقيل: هو متعلق بما دخله النهي نظير قولك لمن غضب من قول الحق له لا تغضب لأن قيل لك الحق.